سورة المطففين - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المطففين)


        


{وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ كِتَابٌ مَرْقُومٌ} ليس بتفسير عليين، أي مكتوب أعمالهم، كما ذكرنا في كتاب الفجار. وقيل: كتب هناك ما أعد الله لهم من الكرامة، وهو معنى قول مقاتل: وقولهم: رقم لهم يخبر. وتقدير الآية على التقديم والتأخير، مجازها: إن كتاب الأبرار كتاب مرقوم في عليين، وهو محل الملائكة، ومثله إن كتاب الفجار كتاب مرقوم في سجين، وهو محل إبليس وجنده.
{يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ} يعني الملائكة الذين هم في عليين، يشهدون ويحضرون ذلك المكتوب أو ذلك الكتاب إذا صعد به إلى عليين. {إِنَّ الأبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ عَلَى الأرَائِكِ يَنْظُرُونَ} إلى ما أعطاهم الله من الكرامة والنعمة، وقال مقاتل: ينظرون إلى عدوهم كيف يعذبون.
{تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ} إذا رأيتهم عرفت أنهم من أهل النعمة مما ترى في وجوههم من النور والحسن والبياض، قال الحسن: النضرة في الوجه والسرور في القلب، وقرأ أبو جعفر ويعقوب: {تُعَرف} بضم التاء وفتح الراء على غير تسمية الفاعل {نُضْرةُ} رفع، وقرأ الباقون بفتح التاء وكسر الراء {نضرةَ} نصب.
{يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ} خمر صافية طيبة. قال مقاتل: الخمر البيضاء. {مَخْتُوم} ختم ومنع من أن تمسه يد إلى أن يفك ختمه الأبرار، وقال مجاهد: {مختوم} أي مطين.
{خِتَامُه} أي طينه {مِسْكٌ} كأنه ذهب إلى هذا المعنى، قال ابن زيد: ختامه عند الله مسك، وختام خمر الدنيا طين. وقال ابن مسعود: {مختوم} أي ممزوج ختامه أي: آخر طعمه وعاقبته مسك، فالمختوم الذي له ختام، أي آخر، وخَتْم كل شيء الفراغ منه. وقال قتادة: يمزج لهم بالكافور ويختم بالمسك.
وقراءة العامة {ختامه مسك} بتقديم التاء، وقرأ الكسائي {خاتمه} وهي قراءة علي وعلقمة، ومعناهما واحد، كما يقال: فلان كريم الطابع والطباع والختام والخاتم، آخر كل شيء.
{وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} فليرغب الراغبون بالمبادرة إلى طاعة الله عز وجل. وقال مجاهد: فليعمل العاملون، نظيره قوله تعالى: {لمثل هذا فليعمل العاملون} [الصافات- 61] وقال مقاتل بن سليمان: فليتنازع المتنازعون وقال عطاء: فليستبق المستبقون، وأصله من الشيء النفيس الذي تحرص عليه نفوس الناس، ويريده كل أحد لنفسه وينفس به على غيره، أي يَضِنُّ.


{وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ} شرب ينصبُّ عليهم من علو في غرفهم ومنازلهم، وقيل: يجري في الهواء متسنما فينصبّ في أواني أهل الجنة على قدر ملئها، فإذا امتلأت أمسك. وهذا معنى قول قتادة.
وأصل كلمة من العلو، يقال للشيء المرتفع: سنام، ومنه: سنام البعير. قال الضحاك: هو شرار اسمه تسنيم، وهو أشرف الشراب.
قال ابن مسعود وابن عباس: هو خالص للمؤمنين المقربين يشربونها صرفا ويمزج لسائر أهل الجنة. وهو قوله: {ومزاجه من تسنيم عينا يشرب بها المقربون}.
وروى يوسف بن مهران عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن قوله: {من تسنيم}؟ قال: هذا مما قال الله تعالى: {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين} [السجدة- 17].
{عَيْنًا} نصب على الحال {يشرب بها} أي منها وقيل: يشرب بها المقربون صرفًا. قوله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا} أشركوا، يعني كفار قريش: أبا جهل، والوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، وأصحابهم من مترفي مكة {كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} عمار، وخباب، وصهيب، وبلال، وأصحابهم من فقراء المؤمنين. {يَضْحَكُونَ} وبهم يستهزؤن.


{وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ} يعني من فقراء المؤمنين بالكفار {يَتَغَامَزُونَ} والغمز الإشارة بالجفن والحاجب، أي يشيرون إليهم بالأعين استهزاء.
{وَإِذَا انْقَلَبُوا} يعني الكفار {إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ} معجبين بما هم فيه يتفكهون بذكرهم.
{وَإِذَا رَأَوْهُمْ} رأوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم {قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ} يأتون محمدًا صلى الله عليه وسلم يرون أنهم على شيء.
{وَمَا أُرْسِلُوا} يعني المشركين {عَلَيْهِمْ} يعني على المؤمنين {حَافِظِينَ} أعمالهم، أي لم يوكلوا بحفظ أعمالهم.
{فَالْيَوْم} يعني في الآخرة {الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ} قال أبو صالح: وذلك أنه يفتح للكفار في النار أبوابها، ويقال لهم: اخرجوا، فإذا رأوها مفتوحة أقبلوا إليها ليخرجوا، والمؤمنون ينظرون إليهم فإذا انتهوا إلى أبوابها غلقت دونهم، يفعل ذلك بهم مرارًا والمؤمنون يضحكون.
وقال كعب: بين الجنة والنار كُوَى، فإذا أراد المؤمن أن ينظر إلى عدوٍ له، كان في الدنيا، اطلع عليه من تلك الكوى، كما قال: {فاطلع فرآه في سواء الجحيم} [الصافات- 55] فإذا اطلعوا من الجنة إلى أعدائهم وهم يعذبون في النار ضحكوا، فذلك قوله عز وجل: {فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون} {عَلَى الأرَائِكِ} من الدر والياقوت {يَنْظُرُونَ} إليهم في النار.

1 | 2 | 3 | 4